الثلاثاء، 21 يونيو 2011

الانسان بين الروح والنفس


بسم الله الرحمن الرحمن...

الإنسان بين الروح و النفس...

يقول الله عز و جل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }الإسراء85
ويسألك الكفار عن حقيقة الروح تعنتًا، فأجبهم بأن حقيقة الروح وأحوالها من الأمور التي استأثر الله بعلمها، وما أُعطيتم أنتم وجميع الناس من العلم إلا شيئًا قليلا.[التفسير الميسر]...

بداية القول بأن هناك تشبيه بين النفس و الروح..يحتاج إلى دليل يثبت مسألة التشابه...فإذا كان الله عز و جل استأثر بتعريف الروح...فكيف نشبهها بالنفس التي لم ترد أية إشارة في القرآن لهذا التشبيه...

لذلك فالإنسان باعتباره من بني آدم فهو أولا من مادة...يقول الحق عز و جل: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ }السجدة7
الله الذي أحكم خلق كل شيء, وبدأ خَلْقَ الإنسان, وهو آدم عليه السلام من طين.
وفي آية أخرى يقول الله جل و علا: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ }ص71
اذكر لهم -أيها الرسول- : حين قال ربك للملائكة: إني خالق بشرًا من طين.

ثم نفخ الله عز و جل من روحه في هذا المخلوق من طين...يقول الله عز و جل: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ }الحجر29
فإذا سوَّيته وأكملت صورته ونفخت فيه الروح, فخُرُّوا له ساجدين سجود تحية وتكريم, لا سجود عبادة.
و في آية أخرى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ }ص72
فإذا سوَّيت جسده وخلقه ونفخت فيه الروح، فدبت فيه الحياة, فاسجدوا له سجود تحية وإكرام, لا سجود عبادة وتعظيم؛ فالعبادة لا تكون إلا لله وحده. وقد حرَّم الله في شريعة الإسلام السجود للتحية.

فالإنسان عنصران ...عنصر مادي و عنصر روحي...و المادي يمكن تتبع أثره و قياسه و تحليله إلى غير ذلك...أما العنصر الروحي...فهو العنصر الذي استأثر به الله عز و جل...حتى يظل الإنسان مهما أوتي من علم عاجز عن بلوغ الحقيقة بشكل كلي و شمولي...لأن الله عز و جل قبل أن يخلق الإنسان كان قد خلق الملائكة و من بينهم الشيطان...و هو العليم بكل شيء...العليم بما مضي و ما هو كائن و ما سيكون...فالشيطان خلقه الله عز و جل كمنافس للإنسان من اجل اختبار هذا الأخير في مجال الإيمان و العمل و مجال الصبر و التبات على الحق...

فالسؤال الذي يجب الحسم فيه بداية هل الروح هي النفس[ و المقصود هنا بالروح التي لها علاقة بالإنسان، و ليست تلك التي لها علاقة بالملائكة أو الجن أو باقي المخلوقات]؟ أم أن النفس شيء آخر تتعايش مع الروح في قالب واحد هو الجسد؟ وهل تأخذ النفس مكان الروح؟ و هل العكس صحيح؟

إذا كانت الروح قد حسم أمرها الله عز و جل في الآية السابقة الذكر...فماذا عن النفس؟
يقول الله عز و جل: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ }يوسف53...قالت امرأة العزيز: وما أزكي نفسي ولا أبرئها, إن النفس لكثيرة الأمر لصاحبها بعمل المعاصي طلبا لملذاتها, إلا مَن عصمه الله. إن الله غفور لذنوب مَن تاب مِن عباده, رحيم بهم.

{وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ }القيامة2وأقسم بالنفس المؤمنة التقية التي تلوم صاحبها على ترك الطاعات وفِعْل الموبقات، أن الناس يبعثون.
{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ }الفجر27يا أيتها النفس المطمئنة إلى ذِكر الله والإيمان به, وبما أعدَّه من النعيم للمؤمنين,

فالنفس نوعان:آمرة بالسوء...أو نفس لوامة...و هذه الأخيرة تلحق بها النفس المطمئنة...
1- النفس الأمارة بالسوء...
2- النفس اللوامة...

1ـــ فالآمرة بالسوء هي تلك التي لا تبحث إلا عن ارتكاب المعاصي و فعل السوء و الشر ،للذات و للآخرين...و بصفة عامة هي النفس الباحثة عن تلبية الشهوات و الرغبات و تحقيق الملذات بغض النظر عن كونها شرعية أو غير شرعية...كما أنها لا تعير اهتماما للوسيلة هل هي كذلك شرعية أو غير شرعية...

2ـــ أما النفس اللوامة فهي التي تأخذ بعين الاعتبار...هل الفعل المراد القيام به يتطابق مع ما يرضي الله عز و جل أي مع ما شرع الله جل و علا...أو لا يتطابق؟فإن كان لا يتطابق مع الشرع فإن هذه النفس تلوم صاحبها قبل ارتكاب الفعل و تحاول أن تصده إما بتذكيره بآيات الله عز و جل و عقابه على الفعل و جزائه عن الترك...بواسطة الضمير...ذاك الصوت الداخلي الذي يذكر الشخص إذا ما نسي...
فإذا ما عظم شأن النفس اللوامة في تركيبة الشخص...و أصبحت جزءا لا يتجزأ من سلوكه...و ذلك بفضل من الله جل و علا و منة منه على خلقه...أصبحت نفس مطمئنة على حالها و مآلها بعد وفاتها...و ليس قبل وفاتها...لأنها في واقع الأمر هي نتيجة للنفس اللوامة...لأن النفس اللوامة يكون فعلها ساري الأثر إلا في الحياة الدنيا...أما بعد الموت فتكون النتيجة المنطقية التي وعد بها الله عباده للنفس اللوامة أنها تصبح مطمئنة لحالها[أي النجاة من النار] و مآلها [أي الفوز برضا الله عز و جل و رحمته أي الجنة]...

و لكي يتم الفرق بين النفس و الروح...يقول الله عز و جل عن النفس التي تخاف الله جل و علا و تبتغي رضوانه: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى }النازعات40...وأمَّا مَنْ خاف القيام بين يدي الله للحساب،
فالنفس ميالة بطبيعة تكوينها للهوى...فما هو الهوى؟ الهوى هو كل ما تشتهيه النفس و ترغب في الحصول عليه و التمتع به و التلذذ بمتعته...
يقول الله عز و جل: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ }آل عمران14
حُسِّن للناس حبُّ الشهوات من النساء والبنين, والأموال الكثيرة من الذهب والفضة, والخيل الحسان, والأنعام من الإبل والبقر والغنم, والأرض المتَّخَذة للغراس والزراعة. ذلك زهرة الحياة الدنيا وزينتها الفانية. والله عنده حسن المرجع والثواب, وهو الجنَّة.
فالنفس تهوى متاع الحياة الدنيا...و هذه خصوصية طبيعية في النفس البشرية...لكن أين تكمن المشكلة؟ المشكلة تأتي عندما يختل ميزان بين ما أشتهيه و بين ما هو فعلا حقي الذي وهبني الله عز و جل إياه لتلبية شهواتي و رغباتي و حاجاتي...فاختلال الميزان يجعل من إحدى كفتين المعادلة تطغى على الأخرى...لذلك فالنفس الآمرة بالسوء لا تخاف مقام ربها في شهواتها و رغباتها و طرق تلبية تلك الحاجات...و ذلك بدافع الهوى...فتكون النفس اللوامة التي تجعل من الله عز و جل رقيب عليها في تصرفاتها تحد من طمعها و جشعها و ظلمها و جبروتها...لتعيد كفة الميزان إلى الوضع الذي يريده الله عز و جل من عباده...
فميزان النفس قد يبدو في الحياة الدنيا لأن ما نضع في كفتيه قد يبدو من الأعمال التي تحدد سلوك الفرد من تقوى و ورع و حب الخير و ما إلى ذلك من أعمال البر...و لكن حقيقة الميزان لا تبدو جلية إلى عندما تنقضي و تنتهي الأقوال و الأعمال في هذه الدنيا...يقول الحق جل و علا: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }الأعراف8...و وزن أعمال الناس يوم القيامة يكون بميزان حقيقي بالعدل والقسط الذي لا ظلم فيه، فمن ثقلت موازين أعماله -لكثرة حسناته- فأولئك هم الفائزون. وهنا يكون حصاد النفس اللوامة بأن تنتقل إلى درجة النفس المطمئنة....

فالله عز وجل عندما يتحدث عن مصير الإنسان في الدنيا قبل الآخرة...أي من لحظة التكليف و بلوغ سن الرشد...أي عندما يصبح المرء ذكرا كان أو أنثى قادرا على الإنجاب...فمرحلة البلوغ هي حد فاصل بين الطفل غير المكلف و الراشد المكلف...فإذا ما أصبح مكلفا...أي قادرا على التمييز بين الخير و الشر...بين ما ينفع و بين ما يضر...قادرا على معرفة الحق و تمييزه من الباطل...أصبحت أقواله و أفعاله مسئولة منه...لذلك قال الله عز و جل في سورة الشمس: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا{7} فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا{8} قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا{9} وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا{10}... وبكل نفس وإكمال الله خلقها لأداء مهمتها, فبيَّن لها طريق الشر وطريق الخير, قد فاز مَن طهَّرها ونمَّاها بالخير, وقد خسر مَن أخفى نفسه في المعاصي.

فالنفس هنا هي المخاطب و ليست الروح...فالروح هي أمر من رب العالمين لتكون للنفس حياة و حيوية و رغبات و شهوات و ما إلى ذلك يحملها و يحتضنها جسد،زوده الخالق بكل الأجهزة الممكنة ليكون على الشكل الذي أراده الله عز و جل...
لأن النفس هي التي تموت عندما تخرج الروح منها هذه النفس التي يحتضنها الجسد... ففي الحديث الآتي كما استدل به الأخ الأستاذ نظام الدين ابراهيم أو غلو...فلقد ورد عند الشيخ الألباني رحمه الله: تخريج السيوطي : (حل) عن أبي أمامة.
تحقيق الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 2085 في صحيح الجامع.‌
إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته .

و على هذا الأساس يمكن القول أن العقل و الفكر هما من مكونات النفس...و هما أحد آثار النفس التي تتركها في الواقع و المحيط الخارجي...و ليسا من قبيل الروح...لأن الروح هي أمر من عند الله عز و جل بخلق الحياة في النفس...و سيأتي الحديث عن ذلك إن شاء الله...‌

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق